يصدر تقرير بعنوان من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويحمّل "كيانات تجارية" مسؤولية الثراء من خلال "الاقتصاد الإسرائيلي القائم على الاحتلال غير القانوني، والفصل العنصري، والآن الإبادة".

الكاتبة، فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، توجه تحذيرات مباشرة إلى الشركات المتعاملة مع إسرائيل.

ما يميز تحقيق ألبانيزي هو تفصيله للعلاقة بين الشركات العالمية والمشروع الاستيطاني الكولونيالي. فالغزو لا يتم عبر الجيوش والمكاتب البيروقراطية فحسب، بل تشارك فيه الشركات التي تبحث عن الربح. وتكتب ألبانيزي: "المشاريع الاستعمارية والإبادات المرتبطة بها لطالما غذّاها القطاع الخاص، ضمن ما يُعرف برأسمالية استعمارية عنصرية".

يُسلّط التقرير الضوء على ثمانية قطاعات خاصة: شركات الأسلحة، والتكنولوجيا، والبناء، والخدمات، والمصارف، وصناديق التقاعد، والتأمين، والجامعات، والمؤسسات الخيرية. جميعها، بحسب التقرير، تسهم في انتهاك حق تقرير المصير وغيره من الحقوق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر تسهيل الاحتلال، والضم، والفصل العنصري، والإبادة، إلى جانب الجرائم المرافقة مثل القتل خارج القانون والتجويع والتهجير القسري.

العمود الفقري لهذا "الاقتصاد المتعدد الأوجه للإبادة"، كما يسميه التقرير، هو المجمع العسكري الصناعي الإسرائيلي. مثال بارز على ذلك طائرة F-35 التي تطورها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية بالتعاون مع شركات دولية، منها ليوناردو الإيطالية، وبدعم ثماني دول.

منذ أكتوبر 2023، تسارع الاستيطان تحت دعم القطاع الخاص. في عام 2024، خُصّص 200 مليون دولار لبناء مستوطنات جديدة. بين نوفمبر 2023 وأكتوبر 2024، أُقيمت 57 مستوطنة وبؤرة جديدة بدعم من شركات إسرائيلية ودولية قدمت المعدات والمواد واللوجستيات. مثال على ذلك مشروع توسيع "القطار الخفيف" في القدس، الذي يربط المدينة بالمستوطنات في الضفة، بدعم من شركة CAF الإسبانية وشركات مثل دوسان الكورية وفولفو السويدية وهايدلبيرغ الألمانية.

الاستعمار لا يقتصر على البنية التحتية، بل يشمل أدوات القمع والمراقبة، حيث تشارك شركات التكنولوجيا في تطوير شبكات مراقبة متقدمة تشمل الكاميرات، والتعرف البيومتري، والطائرات المسيّرة، والحوسبة السحابية. يبرز هنا دور شركة بلاناتير التي توفر تقنيات "التنبؤ الإجرامي" والبنية البرمجية للعمليات العسكرية واتخاذ القرارات الآلية في ساحة المعركة.

ردود الفعل

ردّت الشركات المعنية بالتنصّل من المسؤولية، مثل لوكهيد مارتن التي أحالت المساءلة إلى الحكومات، باعتبار أن صفقاتها تتم بين الدول، لا مع الأفراد. أما إسرائيل والولايات المتحدة، فواصلا حملة "كره ألبانيزي"، مستخدمين اتهامات قديمة وجديدة، متجاهلين مبادئ القانون الدولي رغم قرارات واضحة من محكمتَي العدل الدولية والجنائية الدولية.

في يوليو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا يؤكد أن استمرار وجود إسرائيل في الأراضي المحتلة غير قانوني، ويطالب الدول بالتعاون لإنهاء هذا الوجود. وأشارت المحكمة إلى أن ممارسات إسرائيل تنتهك حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة وحق الفلسطينيين في تقرير المصير.

ردّ إسرائيل وصف التقرير بأنه "لا أساس قانوني له" واتهم ألبانيزي بـ"معاداة السامية" ودعم "الإرهاب"، في خطاب مليء بالشتائم، خالٍ من الحجج القانونية الجادة، كما ورد في رسالة وجهها السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة إلى الأمين العام.

الولايات المتحدة تدّعي أن نشاطات الشركات المتهمة تخدم الأمن القومي والرفاه الإقليمي، متجاهلة الحقوق الفلسطينية. وتهاجم ألبانيزي شخصيًا بادعاء عدم امتلاكها المؤهلات القانونية اللازمة، في محاولة لصرف النظر عن مضمون التقرير.

التقرير يكشف تواطؤ عشرات الشركات – معظمها أمريكية – في جرائم كبرى، ويُسميها صراحة، ما يثير غضب واشنطن ويُفسّر دفاعها الشرس عن مصالح اقتصادية وعسكرية، لا عن القانون أو العدالة.

وسط كل ذلك، لا تُذكر حقوق الفلسطينيين، ولا يُؤخذ بحقهم في الحياة والتعليم والكرامة، بل تستمر آلة القمع تحت غطاء "الأمن" و"الازدهار الاقتصادي".

https://www.middleeastmonitor.com/20250704-an-economy-of-genocide-israel-and-the-albanese-report/